إنكار العنصرية في العالم العربي
في محاولة لإظهار تضامنهم مع الأمريكيين السود ضد عنف الشرطة في الولايات المتحدة، نشر العديد من المشاهير العرب صوراً لهم تظهرهم ببشرة سوداء، ما عرضهم لحملة انتقادات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لما تحمله عملية صبغ البشرة باللون الأسود من إيحاءات عنصرية
وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة لهم، رفض العديد من المشاهير حذف المنشورات، وادعى البعض بأن العنصرية غير موجودة في المنطقة العربية. كما قام بعضهم بنشر تعليقات من متابعيهم تدعم مزاعمهم مثل؛ "لم تفعل شيئًا خاطئًا" و"الناس حساسون جدًا هذه الأيام"
هذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها المشاهير العرب للانتقاد بسبب منشور عنصري، وعادة ما تتضمن ردودهم على أي اتهام بالعنصرية على عبارات مثل "الجميع متساوون في الإسلام" أو من خلال تحويل مجرى الحديث إلى سؤال حول ما إذا كان التمييز العنصري قد حدث فعلاً. إنكار العنصرية والادعاء بأنها قضية غربية، يوضح فقط مدى جهلهم بحقيقة المنطقة وما يحدث فيها
مناقشة العنصرية في الشرق الأوسط عملية معقدة وصعبة، ليس لأنها غير موجودة ولكن لأنها لا تظهر بالضرورة في عنف الشرطة كما نرى في الولايات المتحدة. العنصرية هنا مخفية تظهر في أشكال مختلفة، كعزل السود اجتماعيا، واستنكار الزواج بين الأعراق المختلفة
!الحمد لله كلنا مسلمون
بالنسبة للعديد من العرب المسلمين غير السود، حقيقة أنهم مسلمون تعني أن العنصرية غير موجودة في مجتمعاتهم، لأنها تتعارض مع قيم الإسلام. عند مواجهة حوادث عنصرية، أول الردود التي تسمع عبارات مثل "الحمد لله؛ نحن مسلمون ولا نفرق بين الناس"، تليها قصة بلال بن رباح
قصة بلال، الذي أعتنق الإسلام وتم عتقه واختاره النبي محمد ليكون مؤذنه الأول ومؤذن النبي محمد، تستخدم مرارًا وتكرارًا كدليل على أن العنصرية ليس لها مكان في الإسلام. ما يفشل الكثيرون في فهمه هو أننا بمناقشتنا للعنصرية، نحن لا نناقش موقف الإسلام منها -أو أي دين اخر- بل نلقي الضوء على سلوكيات وممارسات عنصرية يتعرض لها السود بصورة يومية في مجتمعاتهم. هناك العديد من الأسئلة التي تخطر بالبال ويبدو أن لا أحد يفكر بها عند الحديث عن هذا الموضوع، أليس من السخرية أن تحرير بلال لم يوقف العنصرية أو تجارة الرقيق التي استمرت أكثر من 1000 عام؟ هل هناك أمثلة على عبيد سود آخرين تم تحريرهم ووصلوا إلى مكانة بارزة؟
تعتقد المجتمعات الإسلامية أن الإسلام جاء لتوحيد العالم، وتلقائياً يجب أن تأتي هذه الهوية الدينية أولاً، قبل أي انتماء قبلي أو عائلي آخر. لذلك ولسنوات عديدة، تمكن المسلمون غير السود من إنهاء المحادثة عن العنصرية من خلال مطالبة المسلمين السود بالوحدة والابتعاد عن أي موضوع قد يسبب انقسام الأمة الإسلامية، ولكن هذه الوحدة عادة ما تُنسى عندما يتعلق الأمر بقضايا تخص السود
إنكار تجارة الرقيق في المنطقة العربية
تاريخ العبودية في الدول العربية نادراً ما يدرس في المدارس. عادة ما ترتبط العبودية بتاريخ دول غربية، وتركز معظم الكتب والأفلام على تغطية "تجارة الرقيق عبر الأطلسي"، والتي نقلت ملايين الأفارقة عبر المحيط الأطلسي إلى الأمريكتين. ولكن نادرًا ما يتم الحديث عن تجارة العبيد العربية على الرغم من تأثيرها الهائل على كل من القارة الأفريقية والخليج العربي
بدأت تجارة الرقيق العربية في القرن السابع واستمرت حوالي 1300 عام، لا توجد سجلات لعدد الأفارقة الذين تم بيعهم خلال هذا الوقت إلى شمال إفريقيا والشرق الأوسط؛ ولكن وفقًا لبعض التقديرات فقد يتراوح العدد بين 10-17 مليون أفريقي
أثناء تجارة الرقيق في المنطقة العربية، شكلت النساء نسبة أكبر من الإماء مقارنة بالذين تم أخذهم للولايات المتحدة، وعاشوا في دار الحريم (جناح النساء في قصر الحاكم العثماني). عادة ما يولد أطفال هؤلاء النساء أحرارًا لأنه في الإسلام لا يمكن استعباد أطفال الآباء المسلمين. وقد سبب هذا في السماح باستمرار تجارة الرقيق لفترة طويلة. بالنسبة للرجال والصبية، فقد تم اخصاء الرجال والصبية ليعملوا حراس أو أوصياء على الحريم، كما وعمل بعضهم كمترجمين أو محاسبين أو في الجيش
من المثير للإهتمام أن الدول العربية كانت من أواخر الدول التي حظرت العبودية قانونياً، في السعودية مثلاً لم تلغ العبودية حتى عام 1967
لا تزال العبودية في المنطقة العربية من المواضيع الشائكة والتي لا يرغب أحد بالحديث عنها. يعتقد الكثير من المسلمين بأن الإسلام حرم العبودية، ومناقشة الموقف الإسلامي عادة ما يثير ردود فعل قوية. لكن الحقيقة التي يرفض العديد الاعتراف بها، هو أن الإسلام لم يلغ العبودية قط، وإنما ذكرت في القرآن والأحاديث النبوية ليتم تنظيمها لتحسين وضع العبيد في ذلك الوقت، بالسماح لهم بشراء حريتهم مثلاً ومعاملتهم بطريقة إنسانية
تعود أسباب عدم الرغبة في مناقشة العنصرية الى وصمة العار التي يحس بها كل من يحمل هذا التاريخ، والنظرة الدونية التي ينظر بها لأبناء العبيد وأحفادهم. بالرغم من أن ليس كل العبيد في المنطقة العربية كانوا من السود ولم يكن كل السود في المنطقة عبيداً، إلا أن النظرة العامة للعرب السود على أنهم أحفاد عبيد ما تزال مستمرة، مما تسبب في التأثير بعمق على تمثيلهم السياسي والاجتماعي في المنطقة
الاستيعاب الثقافي
الاستيعاب أو التمثيل الثقافي، هو العملية التي يقوم فيها أعضاء الأقليات في أي منطقة أو دولة بتغيير سلوكهم أو قيمهم أو مظهرهم للتشبه بالمجموعة المهيمنة ثقافياً. يجد العديد من أطفال المهاجرين في الخليج أنفسهم نشأوا وهم يرتدون الثوب المحلي، ويتحدثون اللهجة العربية المحلية، ليس لجعل حياتهم أسهل فحسب، بل لجعلهم يشعرون بالانتماء للثقافة المحلية
أود أن أقول إن هذا الاستيعاب يبدوا أكثر وضوحاً في الخليج مقارنة بباقي الدول العربية، حيث يُتوقع من المهاجرين اتباع قواعد اللباس والعادات والتقاليد في الدولة. مهاد كاشف، سوداني ونشأ في دبي، يستخدم منصته على منصة تويتر لإلقاء الضوء على السلوكيات العنصرية في وسائل الإعلام العربية، قال: "لقد كنت محظوظًا لأنني نشأت في دبي، حيث تتعرف على أشخاص من جميع أنحاء العالم، لذلك لم أشعر بالحاجة إلى التغيير كثيرًا. ومع ذلك فإن أولئك الذين يذهبون إلى المدارس العامة أو يعملون في مجال يسيطر عليه المواطنون قد يشعرون بأنهم مجبرون على تغيير مظهرهم ولهجتهم لتناسب المكان الذي يعملون فيه." وأضاف مهاد أن هذا يمكن أن يكون أكثر وضوحًا في المهاجرين الذين لا يتحدثون اللغة العربية، حيث يلتقطون لهجة أي بلد يعيشون فيه
كما أنه من الشائع أيضًا أن يغير العديد من الأشخاص أسماء عوائلهم بعد أن أصبحوا مواطنين في دولة خليجية لتبني اسمًا عربيًا أو قبليًا أكثر، من أجل صرف الانتباه عن أصلهم (تم توجيهي إلى عائلة يُعتقد أنها غيرت اسم العائلة، لكن لم أتلق أي رد)
تحويل الانتباه للنضال العربي
أثناء حديثي مع الناشطة التونسية خولة الكسيكسي، وإحدى مؤسسي تجمع “صوت النساء التونسيات السوداوات”، ذكرت أنه خلال مظاهرة "حياة السود مهمة" في تونس، رفع بعض العرب غير السود العلمين السوري والفلسطيني وهتفوا لكلا البلدين. كما قطعوا دقيقة صمت نظمت تكريما لضحايا وحشية الشرطة، لترديد شعارات تدعو لتعزيز الوحدة بين الدول العربية. قالت خولة "إن هذا السلوك نموذجي للعرب غير السود كلما بدأنا بالحديث عن العنصرية"
إن تحويل الانتباه إلى القضايا العربية هو طريقة غير مباشرة لتحويل أنظار العامة بقضايا يعدها البعض غير مهمة، كنضال السود ضد العنصرية. كثيراً ما نسمع تعليقات مثل "ماذا عن القضية الفلسطينية؟" أو "ماذا عن سوريا؟" يتم نشرها من قبل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، والمؤثرين، والمشاهير العرب، وحتى بعض الوسائل الإعلامية
يرى مهاد أن هذه المشكلة لها بعد أكبر وأعمق للتفكير بها من اخذها كقضية نضال ضد العنصرية مقابل قضايا إقليمية، فقد رأى، على سبيل المثال- عراقيين يستخدمون تصريحات مشابهة عندما ركزت وسائل الإعلام على الحرب في سوريا. وأضاف أن هذا الأمر يعود لمن يهيمن على الإعلام في المنطقة أيضًا، أولئك الذين يتحكمون هم الذين يحددون الموضوع الذي يحصل على تغطية أكبر
لا يزال التمثيل الإعلامي للعرب الأفارقة محدوداً جداً في الأخبار العربية. عند مقارنة التغطية الإخبارية في أفريقيا مقابل الدول العربية الأخرى، مثل سوريا، يظهر افتقار هذه الأخبار لعمق المعلومات المتوفرة عن القارة الأفريقية وسلبية التقارير عنها
في المنطقة العربية بأكملها، تونس هي الدولة الوحيدة التي جرمت جميع أشكال التمييز العنصري في عام 2018. ومع ذلك، وفقًا للعديد من النشطاء، ليس لهذه القوانين أي تأثير على أرض الواقع. ما زال السود في المنطقة العربية يناضلون يوميا لحماية حقوقهم وزيادة الوعي بالقضايا التي يواجهونها. يعتقد النشطاء أن الوقت قد حان لكي يبدأ العرب غير السود في الدفاع عن الفئات المهمشة والتحدث عنها. حان الوقت أن يتحدث العرب عندما يتعرض شخص أسود للهجوم أو التحرش في الشوارع. فإن نشر صور أو الكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي فقط، لم يعد كافياً