التجربة الأفرو - سعودية
"أنت لست واحداً منا، عبد، أسود" عبارات مؤذية يسمعها العديد من السعوديين السود بشكل دائم. تجعلك تشعر بأنك منبوذ مجتمعيا، تثير فيك أحاسيس بالنقص وتجعلك تبحث في أعماقك عن مشكلة لاتعلم ماهي! وكلما سمعتها تشعر بأنك لاتنتمي الى مجتمعك والسبب لون بشرتك! هذه معضلة يواجهها العديد من السعوديين من أصول أفريقية في مجتمعاتهم
الحقيقة ان العرب المنحدرين من أصول أفريقية منتشرون بكثرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي السعودية أيضا وهذا مايغفله الكثير من الناس عن السعوديين من ذوي الأصول الأفريقية. هل جربت القيام بعمليات بحث عشوائية عن السعودية والشعب السعودي في محرك البحث جوجل؟ إذا قمت بذلك ستجد أن غالبية الصور - ان لم يكن جميعها - تعود الى مواطنين من البشرة الفاتحة أو البيضاء وقد يكونوا من علية المجتمع او من الفنانين وما إلى ذلك، مما يجعل الجميع يعتقد ان هذا هو الشعب السعودي، ابيض البشرة من الطبقة العليا. وبسبب اشتهار المملكة بآبار البترول والموارد الأخرى يتصور أن جميع المواطنين أغنياء
!لكن هذا ليس الحال دائماً
إن عدم تمثيل السعوديين من أصول أفريقية في الحياة العامة (لأسباب متعددة) غير عادل، ولكن للأسف ليس مفاجأة. نادراً ما نرى وجوه إعلامية من العرب السود في هذه المنطقة، وعندما نراهم، يظهرون غالبا في حالة فقر. ولجعل الموضوع أسوأ، فإن مصطلح "أفرو- سعودي" (سعودي من أصول أفريقية) هو مفهوم غريب بالنسبة للكثيرين
أثناء نشأتي في العاصمة السعودية الرياض، لاحظت وجود نمط معيّن يظهر فيه السعوديون السود في المجتمع، لكنني لم افهم عمق المشكلة حتى زمن قريب. في البداية، كنت أعتقد أن السبب يكمن في استقرار العديد من السعوديين السود في مناطق معينة، ولكن اكتشفت أن هذا ليس هو السبب. لطالما كان هناك انقطاع بين السعوديين السود وغير السود، وعلى الرغم من أننا سعوديون ايضاً، الا أن البعض لا يرانا كذلك
تنقسم الرياض الى عدة طبقات اجتماعية، الطبقة العليا توجد في شمال المدينة والطبقة الوسطى في شرقها وغربها، بينما تستقر غالبية "الطبقة الدُنيا" أو الطبقة العاملة في الجنوب. تستقر العائلات الثرية في شمال الرياض، وهم غالباً من السعوديين ذوي البشرة الفاتحة، بينما يسكن السعوديون السود في باقي مناطق العاصمة
عادةً ما تكون الأماكن الأولى التي يفكر الأجانب والسياح في زيارتها هي الأجزاء الشمالية من العاصمة، بسبب تميّزها من حيث التجارة والتنمية. لكن و لسوء الحظ، لا يقيم الكثير من السعوديين السود في تلك المناطق، مما يجعلهم مخفيين إلى حد ما عن العالم الخارجي. كثيرون خارج المملكة لا يعرفون عنا، بالنسبة للعديد من الأشخاص حول العالم، نحن غير مرئيين. ربما بسبب فشل وسائل الإعلام في تمثيلنا بشكل صحيح او اننا لم نعط أنفسنا الفرصة أو نتحلى بالجرأة للظهور أمام العالم بشكل كبير بسبب حملات التنمر اليومية التي أثرت علينا
يُعتقد أن السعوديين السود يشكلون حوالي 10% من سكان المملكة، ولكن هذا الرقم مشكوك فيه نظراً للعدد الكبير من السعوديين السود الذين يعيشون في جميع أنحاء البلاد، وقد لا يتم احتسابهم بشكل صحيح في التعداد. هناك العديد من القبائل في جميع أنحاء السعودية، وبعضها على وجه التحديد تتكون كلياً أو جزئياً من العرب السود
قبيلة الجيزاني والبيشي والدوسري والهوساوي والفلاتة، هي بعض من القبائل التي يسيطر عليها أصحاب البشرة الداكنة. تأتي قبيلة جيزاني والبيشي والدوسري من جنوب المملكة، في حين تسكن قبيلة الهوساوي والفلاتة في المنطقة الغربية من الحجاز، وعادة ما يتمركزون حول مدينتي مكة وجدة. تجسّد قبيلة الدوسري مثالاً للمشاكل التي تواجه غالبية السعوديين السود. تتمركز القبيلة في وادي الدواسر في شمال المملكة، وتنقسم إلى مجموعتين، أشخاص ذوي بشرة داكنة وأشخاص ذوي بشرة فاتحة، وعلى الرغم من وجود العديد من السود في القبيلة إلا أن معظم صور أفراد هذه القبيلة في وسائل الإعلام هي لذوي البشرة الفاتحة
في وادي الدواسر، الفرق بين الدوسري من اللون الفاتح والدوسري من اللون الداكن هو بحد ذاته مشكلة. ذوو البشرة الفاتحة لا يعترفون بالسود من القبيلة لأن اصل هذا الانقسام بين الفريقين هو الاعتقاد الخاطئ بأن الأشخاص السود هم أسلاف العبيد، ولذلك يرفض ذوو البشرة الفاتحة الإعتراف بأن ذوي البشرة الداكنة ينتمون إليهم
إذا أردنا التحدث عن المجال الفني المحلي فعدد الأفلام التي تضم العرب السود او تناقش تاريخهم محدود جداً. الجدل الدائر حول أصول السود في المملكة ما زال مستمرا، حيث يُعتقد أن العائلات المنحدرة من أصول إفريقية والتي تسكن في مكّة لديها جذور في غرب أفريقيا، بينما يمتلك أولئك الموجودون في جنوب المملكة أصولا من شرق أفريقيا. هذا المسار التاريخي الغني لم يتم استكشافه بعد
حتى في الأفلام الغربية التي تدور أحداثها في السعودية، وهي قليلة، مثل The Kingdom"المملكة" أو Hologram for a King، فإن السعوديين السود غائبون تقريباً بشكل كامل في هذه الأعمال. في الفيلم الأول، لم يكن اصل أي من الممثلين الأربعة الرئيسيين الذين لعبوا أدوارا لشخصيات سعودية من شبه الجزيرة العربية؛ الممثلان العربيان البارزان هما مصري-امريكي وبريطاني-هندي. فضلت هوليوود اختيار ممثلين من ذوي البشرة الفاتحة ولا يتحدثان اللغة العربية بدلاً من ممثلين سعوديين سود
على صعيد آخر هناك عدد من الفنانين السعوديين السود في المملكة الذين ساهموا في رسم الثقافة في البلاد، أحدهم عبد الرب ادريس، وهو معروف بتأثيره على الموسيقى السعودية و في جميع أنحاء العالم العربي. أسلوب عبد الرب ادريس الموسيقى كلاسيكي، شبيه بالأوبرا، وصدر ألبومه الأول "يا زين حبك" عام 1988، وأعاد فنانون مثل نانسي عجرم ويارا وراغب علامة غناء إحدى أغانيه المعروفة باسم "ليلة عمر"
ومن الأفرو- سعوديين المشهورين، والذي كان لها أهمية كبيرة في المشهد الموسيقي، المطربة الأسطورية عتاب. من مواليد 30 ديسمبر 1947، كانت أول مغنية في البلاد وكانت أيضاً ممثلة معروفة. بدأت حياتها المهنية في الستينيات واشتهرت بأغنيتها الناجحة "جاني الأسمر". والتي تدور أحداثها حول عاشق اسود عاد إليها بعد غياب طويل وتثير عودته مشاعر مختلفة عندها، ولكن رغم كل الألم الذي سببه ما زالت تحبه
يمكننا تخيل التحديات التي واجهتها كونها أول مغنية سوداء في الدولة في ذلك الوقت، لكن انتقالها إلى الكويت ساعدها على النجاح، حيث كانت الأعمال الترفيهية في الكويت كثيرة والقطاع الفني مزدهراً، مما سمح لعتاب بالتعاون مع فنانيين عمالقة مثل المغنية الأفرو-الكويتية عائشة المرطة
تم تمثيل كل من عبد الرب إدريس وعتاب بشكل إيجابي في وسائل الإعلام ولا يزال تأثيرهم على الموسيقى حيّا وموجودا حتى اليوم. على الرغم من أن هذين الفنانين قد أنجزا الكثير في مسيرتهم الفنية في كل أنحاء الوطن العربي إلا أن هذا لا يعد كافياً اذا تمت مقارنته بعمالقة آخرين، فإن عدد السعوديين السود المعروفين ليس كافياً
تمثيل الأفرو-السعوديين في الإعلام
القضية التي يبدو أنها تتكرر دائما عندما يقدم السعوديون السود أنفسهم على هذا النحو هي أنهم يعاملون على أنهم ليسوا سعوديين حقيقيين، وعادة ما يتلقّون إهانات مسيئة وعنصرية. هذا الرهاب الذي يواجه الكثير من السعوديين السود في المجتمع يأتي من جهل عميق ونظرة عنصرية لدى معظم العرب تجاه المنحدرين من أصل أفريقي. لحسن الحظ أصبح السعوديون السود أكثر بروزاً في المجتمع وبدأوا بأخذ أدوار أفضل في وسائل الإعلام. هذه التطورات، رغم إيجابيتها، لا تزال تترك قضية العنصرية اللونية دون حل. فمعظم الممثلين والموسيقيين والمؤثرين العرب هم من البشرة الفاتحة، الأمر الذي لا يظهر الدور المحوري للعرب السود في المجتمع.
(MBC, 2014, حدث في الثامنة) أشعر بالانزعاج لأنني اسمع كلمة عبد تستخدم بشكل مترادف لوصف الشخص الأسود" - نوال الهوساوي”
نوال الهوساوي، سعودية من أصول أفريقية، ولدت ونشأت في مكة ومن خلفية متواضعة نسبياً، لتصبح أول امرأة تقود حملة مكافحة العنصرية في السعودية. بدأت قصتها بعد أن أطلقت عليها امرأة عبارة "عبدة" خلال احتفالات العيد الوطني السعودي. (BBC News Africa, 2016) هذه الحادثة ألهمتها لتبدأ منظمة غير ربحية، وهي مؤسسة آدم، لتعزيز الوعي ضد العنصرية والاختلافات في الاندماج المجتمعي
في عام ٢٠١٤، خلال مقابلة مع داوود الشريان في برنامجه "حدث في الثامنة" على قناة إم بي سي، قالت الهوساوي أن كلمة "عبد" لا ينبغي أن تكون مرادفة لإنسان اسود، وكيف يجب إصلاح هذا المفهوم داخل المجتمع. في عام 2016 أطلقت عليها الـ بي بي سياسم "روزا باركس السعودية" بسبب موقفها الحازم ضد العنصرية.
"ابتعدي عن وجهي ايتها العبدة!"
بتاريخ 6 يونيو/حزيران 2020، نشرت عبير سندر، إحدى أوائل المدونات السعوديات من أصول إفريقية، صورة لها وهي طفلة على برنامج إنستغرام وتحدثت عن أول حادثة عنصرية تعرضت لها، حيث شرحت كيف كانت تلعب على الأرجوحة عندما دفعتها فتاة وقالت لها "ابتعدي عن وجهي ايتها العبدة". أوضحت مدوّنة التجميل في منشور لها أن تلك كانت المرة الأولى التي تسمع فيها كلمة "عبدة" لم تفهم معناها، حتى شرحت لها والدتها دلالة الكلمة (Sinder, Abeer, 2020)
تحدثت المدونة عن التمييز داخل مجتمعها بشكل صريح ومنفتح، وتركز العديد من فيديوهاتها على تجربتها الشخصية مع التعليقات العنصرية. في احد فيدوهاتها تقول عبير بانها تريد ان تؤثر على الفتيات السود في بلدها عبر مدونتها، وتقول لهن أنهن جميلات. تروّج المدونة دائماً رسالة "Black Is Beautiful" او "السواد جميل" في جميع حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت مدافعة مهمة عن هذه القضية. تعتقد عبير انه ليس هناك شيء سيّء في الجمال الطبيعي عند السود، وهو حسب رأيها اعتقاد يحتاج الى المزيد من الترويج في الثقافة السعودية العامة
بحكم نشأتي كفتاة سعودية سوداء، كنت أبحث دائماً عن نساء في وسائل الإعلام يشبهونني، ولكن فشلت. في معظم الأوقات شعرت أنني وحيدة لعدم وجود أشخاص يمثلونني في المجلات أو وسائل الإعلام. لحسن الحظ، ظهرت الفنانة وعد في الصورة واشتهرت في معظم الدول العربية، ومشاهدتها في صغري أسعدني وملأني بالأمل
كفتاة سعودية سوداء، فإن رؤية امرأة سعودية سوداء أخرى على شاشات التلفزيون جعلني اشعر بأنني جزء من المجتمع. وأخيراً كان لدي شخصية افتخر بها، شخصية تمثلني ويمكنني إخبار الناس عنها. لا يجوز الاستهزاء بمدى أهمية أن يكون لدى الفتيات السعوديات السوداوات قدوة مثل الفنانة وعد وأن يروا أنفسهن ممثلات في الثقافة العامة
للأسف، لا تزال العنصرية اللونية وعدم التمثيل في المحافل العامة مشكلة داخل المجتمع السعودي، لكن هذا لا يخفي أهمية السعوديين السود في المجتمع. هناك الكثير من السعوديين السود الذين يحتاجون إلى التمثيل بشكل أفضل، وهناك سعوديون سود عمالقة مهّدوا الطريق للآخرين للحصول على التقدير الذي يحظون به اليوم
عدد الفنانين الجدد آخذ في الازدياد، ومع التقدم الحالي لمنصات التواصل الاجتماعي يقوم العديد من الأفرو-سعوديين بصنع واقعهم الخاص وكتابة قصصهم الخاصة. فلم يعد الأمر متروكاً للقنوات التلفزيونية لاختيار ما يرغبون في عرضه. وأخيراً، يعمل الأفرو-سعوديون على إبراز أنفسهم للعالم و أعتقد أن وسائل التواصل الاجتماعي هي بداية حقبة جديدة للسعوديين السود، ليتم التعرف عليهم، ليس فقط محلياً بل وعالمياً أيضاً