أصداء فلويد: الأفروعرب في الشرق الأوسط
"لا أستطيع التنفس" كانت آخر كلمات نطق بها جورج فلويد قبل وفاته على يد شرطة مينيابوليس، في الخامس والعشرين من مايو. في فترة زمنية مدتها ٨ دقائق و٤٦ ثانية، شاهد العالم رجلاً أسودًا مقيد اليدين مثبتًا على الأرض، بينما يضغط شرطي أبيض بركبته على عنقه، متجاهلاً صرخاته المتكررة طلبًا للمساعدة
أججت وفاة جورج موجة احتجاجات عنيفة في مدن الولايات المتحدة الأمريكية وفي أنحاء العالم، ضد الممارسات العنصرية والمعاملة القاسية التي يتعرض لها الأمريكيون الأفارقة كل يوم. خرج العديد من المتظاهرين من دول عدة من أوروبا و إفريقيا إلى الشوارع للتعبير عن تضامنهم مع حركة "حياة السود مهمة"، والتي تحظى بشعبية كبيرة في الولايات المتحدة وأوروبا لنضالها ضد العنصرية المؤسسية والاجتماعية التي يتعرض لها السود. انتشار قصص العنف ضد الأقليات السوداء حول العالم، دفع بالعديد من العرب السود لمقارنة قصصهم بالواقع الذي يعيشونه في الشرق الأوسط
عادة ما يشعر العرب السود بأن تجاربهم مع العنصرية في الشرق الأوسط يتم تجاهلها، وغالبًا ما يتم الادعاء بأنها غير موجودة. اغلب محاولاتهم لفتح باب الحوار حول العنصرية، لم يتم أخذها بجدية. لكن عمق تأثير وفاة جورج فلويد أشعلت ردود أفعال مختلفة في الشرق الأوسط. إن أصداء صرخات فلويد،التي تضخمت من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبرت عن تصميم العرب السود على إيصال أصواتهم هذه المرة الى جميع أنحاء المنطقة بشكل أعلى من أي وقت مضى
الأفرو-عرب: العيش بين تقاطع هويتين
بدأت حياتي في المملكة العربية السعودية حيث ولدت لأسرة سودانية وقضيت طفولتي هناك، قبل أن أنتقل إلى الإمارات العربية المتحدة وبعد ذلك إلى قطر. في كل دولة – مع اختلاف عاداتهم وثقافتهم - واجهت مجموعة فريدة من التحديات التي كان علي التعامل معها
في هذه الدول، فهمت لأول مرة الدلالة السلبية التي تحملها كلمة "عبدة". كلمات مثل "تكروني" و "خال" ما تزال تستخدم بصورة كبيرة لوصف السود في المنطقة. قد يجادل البعض ويدعي بأن هذه المصطلحات تستخدم ببراءة للتعبير عن مدى حبهم للشخص المعني، ولكن نظرة العرب السود لهذه الأسماء مختلفة، حيث يرى العديد أنها عنصرية
أثناء نشأتي في الخليج، كانت معظم المناقشات التي أجريتها حول العنصرية مع أصدقاء من خلفيات مماثلة لخلفيتي، أبناء مهاجرين أفارقة، عشنا ونحن نحاول الانتماء إلى مجتمعات عاملتنا على أننا "مختلفون". لقد صدمت مؤخرًا أنني لم أفكر أبدًا في تجارب العرب السود، أولئك الذين استقروا في المنطقة العربية لعقود من الزمن واختلطوا ولكن مثلنا تمامًا - المهاجرون السود - يُنظر إليهم أيضًا على أنهم "مختلفين". أتذكر وقتًا أخطأت فيه مستشارة المدرسة وظنت أني فتاة سعودية سوداء أخرى، وعندما صححتها قالت ببساطة "أنتم جميعًا متشابهون"
العرب السود في المنطقة هم عمومًا أحفاد المستعبدين أو المهاجرين السود أو المسلمين الأفارقة الذين مكثوا في السعودية بعد الحج. على الرغم من تحدثهم العربية بطلاقة، وكونهم عربًا ثقافيًا، إلا أنهم لا يزالون غير مقبولين تمامًا في المجتمعات العربية وغالبًا ما يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. مستويات الفقر بين العرب السود عالية ومعظمهم ليس لديهم القدرة على الحصول على أي دعم اقتصادي من الحكومة أو فرص تعليمية. في العراق على سبيل المثال، لا يزال العراقيون السود يُطلق عليهم كلمة "عبيد" ويحظون بتمثيل بسيط في الدوائر الحكومية والهيئات العامة، وعلى الرغم من كفاحهم الطويل من أجل أن يتم التعامل معهم بصورة عادلة وحمايتهم كأقلية في العراق، إلا أنهم ما زالوا يشعرون بأن شيئًا لم يتغير
الوقوع في تقاطع هويتين (العربية والأفريقية) غالباً ما يسبب أزمة هوية للعرب السود ويجعلهم لا يشعرون بأنهم ليسوا أفارقة بما يكفي أو عرب بما يكفي للانتماء لأي مجموعة
ولد "كابري" لأم صومالية وأب إماراتي، ويعيش في لندن. عندما تحدثت معه أدرك أنه لم يضطر يوماً لدمج ثقافته الأفريقية والعربية، لطالما كانت الهويتين منقسمتين اعتماداً على من يتعامل معه، ليس لأنه أرادَ ذلك ولكن لأن هذه كانت الطريقة الأسهل للتعامل مع المجتمع حوله. عندما سألت كابري عما إذا كان قد تحدث مع عائلته حول العنصرية التي واجهها أثناء نشأته في الإمارات، أخبرني أن عائلته عادة ما ترفض التحدث في الموضوع، وتختار تجاهل القضية لتجنب أي صراعات عائلية. انتهت محادثتي مع كابري بشعوره بضرورة بدء حوار جديد حول هويته الأفريقية العربية مع عائلته
عبارات مؤلمة وجارحة
"عادة ما ينادونه بالأسود" هكذا بدأت هدى في رواية قصتها وتجارب ابنها البالغ ١٠ سنوات مع العنصرية من قبل عائلة والده، وأضافت "ليس هناك ما يمكنني فعله لمنعهم". هدى سودانية لكنها ولدت ونشأت في قطر. كبرت وتعاملت مع نصيبها من المواقف العنصرية، حيث تم مناداتها بالعبدة، وتم التعليق على لون بشرتها الأسود وشعرها المجعد. ومع ذلك، نشأتها في حي مليء بالسودانيين ساعدها في أن تتعلم كيف تحب وتحتفي بتراثها وثقافتها
قبل عشر سنوات، عندما تزوجت هدى من مواطن قطري، لم تفكر قط في العنصرية التي قد تواجه أطفالها فعائلة زوجها خليط من جنسيات مختلفة، من اليمن إلى الهند. لم تكن تعلم أن لون بشرة ابنها ستكون موضوع تعليقات عنصرية من عائلة زوجها. قالت هدى "ابني ذو لون أغمق وهو يشبهني "أي يشبه السودانيين" بشعر مجعد. ينظرون إليه على أنه قبيح، حتى في الصور العائلية عادة ما يدفعونه إلى الخلف". لاحظت هدى ردود فعل ابنها القوية والغاضبة كلما وصفه أحدهم بـ "أسود" أو "سوداني" انتبهت أيضًا الى التغيير الذي يطرأ على شخصيته عندما يكون مع الجانب السوداني من عائلته، حيث يصبح أكثر هدوءً ومرحًا، ولذلك تخشى هدى أن تؤثر التعليقات العنصرية على ابنها بعمق وعلى ثقته بنفسه
ما يتعرض له ابن هدى هي ظاهرة تعرف بـ "العنصرية اللونية"، والتي تُعرَّف بتفضيل درجات لون البشرة الفاتحة على البشرة الداكنة ونادرًا ما تتم مناقشتها في الشرق الأوسط. العنصرية اللونية عادة ما تتسبب في وضع ذو البشرة السوداء في مواقف صعبة حيث لا يحاربون التحيز ضد اللون في المجتمعات التي يعيشون فيها ولكن داخل مجموعتهم العرقية أيضًا. ليس من غير المعتاد سماع معارضة قوية من أفراد الأسرة أو المجتمع ككل عندما يتزوج شخص ذو بشرة فاتحة بشخص ذو بشرة داكنة
عادة ما يواجه المشاهير ذوو البشرة الداكنة النقد أكثر من نظرائهم، مثل قضية أصايل سلاي، مغنية الراب التي تم اعتقالها لنشرها مقطع فيديو يحتفل بجمال النساء في مكة. فور انتشار الفيديو، انتشر الهاشتاج "لستن بنات مكة" عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي. وواجهت أصايل عاصفة من الانتقادات وتم حذف الفيديو، كما وواجهت دعوات للترحيل مصحوبة بانتهاكات عنصرية و متحيزة ضد المرأة
عندما سألت هدى كيف تتعامل مع العنصرية ضد ابنها، قالت بأنها عادة ما تخبره بأن يشعر بالفخر بسواده " لم أتركه أبدًا يشعر وكأن مناداته بلقب أسود أو سوداني هي إهانة". وأكدت هدى أنها ستشجع ابنها على دراسة الطب أو الهندسة لأنها تؤمن بأن ""وضعه ومهنته هما ما سيجبر الناس على معاملته باحترام
قصة هدى ليست فريدة من نوعها. معظم الأشخاص الذين تحدثت إليهم قبل كتابة هذا المقال تعرضوا لمواقف مشابهة، بعضهم قرر عدم التطرق للموضوع أو مواجهته لأنه مجهود لا طائل منه، حيث عادة ما يتم ادعاء أن هذه التعليقات ليست سوى مزح.
من خلال فيديو انتشر بسرعة في منصات التواصل الاجتماعي، عبرت الممثلة والمخرجة الفلسطينية مريم أبو خالد، عن استيائها من العنصرية في الدول العربية وأشارت الى أن التعليقات السلبية والعدوانية التي يتعرض لها السود باستمرار في الشرق الأوسط، تسبب أضرارً نفسية كبيرة. في مقطع الفيديو الخاص بها، شاركت مريم مثالًا واحدًا لأم تخبر ابنتها ألا تلعب في الشمس لفترة طويلة أو "ستصاب بحروق الشمس وتصبح سوداء مثل مريم"
لا أستطيع أن أتذكر عدد المرات التي قيل لي فيها إنني جميلة لكني سأبدو أفضل إذا كنت أفتح بدرجة واحدة أو اثنتين. أخذ أفراد الأسرة والأصدقاء وحتى الغرباء في صالونات التجميل على عاتقهم إقناعي بتبييض بشرتي. قيل لي مرارًا وتكرارًا عبارات مثل "ستكونين أكثر جاذبية" ، "ألا تريدين العثور على زوج؟" أو "فقط استخدمي هذا [... كريم] لتنظيف بشرتك وإشراقها". كفتاة سوداء صغيرة، كنت محظوظة لتوفر نظام دعم عائلي سمح لي أن أحب نفسي. عندما يناقش الناس قضايا تبييض البشرة داخل المجتمعات السوداء، فإنهم عادة ما ينسون أن تراكم الصدمات والاحساس بالدونية بسبب الملاحظات العنصرية، تتجلى في مثل هذه الممارسات الضارة
كيف يمكننا المضي قدما؟
يكمن الخطر في رفض الحديث عن العنصرية في استمرارها والتعود على معاملة السود كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية. لقد سمحت ثقافة الصمت التي بُنيت حول الموضوع في زيادة الآثار الضارة واستمرارها حتى يومنا هذا. إن استخدام الإسلام أو بلال بن رباح (رفيق الأنبياء الأسود) كأداة لصرف النظر عن الممارسات العنصرية في المجتمعات العربية يسمح لهذه الحلقة من العنصرية المتأصلة أن تظل دون حل. الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها المضي قدمًا هي من خلال اعتراف العالم العربي بوجود العنصرية داخل مجتمعاتهم وتحمل المسؤولية. نحن بحاجة لرؤية خطوات جادة يتم اتخاذها لحماية المجتمعات السوداء من التمييز، وإدخال مبادرات جديدة توفر لهم دعما اقتصاديا وفرصاً تعليمية
.تم تغيير بعض الأسماء لحماية خصوصية الأفراد المشاركين